فصل: تفسير الآيات (18- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (18- 21):

{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)}
المعنى: {ثم جعلناك على شريعة}، فلا محالة أنه سيختلف عليك كما تقدم لبني إسرائيل فاتبع شريعتك، والشريعة في كلام العرب: الموضع الذي يرد فيه الناس في الأنهار والمياه ومنه قول الشاعر: [البسيط].
وفي الشرائع من جلان مقتنص ** رث الثياب خفيّ الشخص منسرب

فشريعة الدين هي من ذلك، كأنها من حيث يرد الناس أمر الحدود ورحمته والقرب منه. وقال قتادة: الشريعة: الفرائض والحدود والأمر والنهي.
وقوله: {من الأمر} يحتمل أن يكون واحد الأمور أي من دون الله ونبواته التي بثها في سالف الزمان، ويحتمل أن يكون مصدراً من أمر يأمر، أي على شريعة من الأوامر والنواهي، فسمى جميع ذلك أمراً. و{الذين لا يعلمون} هم الكفار الذين كانوا يريدون صرف محمد صلى الله عليه وسلم إلى إرادتهم. و: {يغنوا} من الغناء، أي لن يكون لهم عنك دفاع. ثم حقر تعالى شأن الظالمين مشيراً بذلك إلى كفار قريش، ووجه التحقير أنه قال: هؤلاء يتولى بعضهم بعضاً، والمتقون يتولاهم الله، فخرجوا عن ولاية الله وتبرأت منهم، ووكلهم الله بعضهم إلى بعض.
وقوله تعالى: {هذا بصائر} يريد القرآن. والبصائر جمع بصيرة، وهي المعتقد الوثيق في الشيء، كأنه مصدر من إبصار القلب، فالقرآن فيه بيانات ينبغي أن تكون بصائر. والبصيرة في كلام العرب: الطريقة من الدم، ومنه قول الشاعر يصف جده في طلق الثأر وتواني غيره: [الكامل]
راحوا بصائرهم على أكتافهم ** وبصيرتي يعدو بها عتد وأى

وفسر الناس هذا البيت بطريقة الدم إذ كانت عادة طالب الدم عندهم أن يجعل طريقة من دم خلف ظهره ليعلم بذلك أنه لم يدرك ثأره وأنه يطلبه، ويظهر فيه أنه يريد بصيرة القلب، أي قد اطرح هؤلاء بصائرهم وراء ظهورهم.
وقوله تعالى: {أم حسب} الآية قول يقتضي أنه نزل بسبب افتخار كان للكفار على المؤمنين قالوا لئن كانت آخرة كما تزعمون لنفضلن عليكم فيها كما فضلنا في الدنيا. و: {أم} هذه ليست بمعادلة، وهي بمعنى بل مع ألف الاستفهام. و: {اجترحوا} معناه: اكتسبوا، ومنه جوارح الإنسان، ومنه الجوارح في الصيد، وتقول العرب: فلان جارحة أهله، أي كاسبهم.
وقرأ أكثر القراء: {سواءٌ} بالرفع {محياهم ومماتُهم} بالرفع، وهذا على أن {سواءٌ} رفع بالابتداء {ومحياهم ومماتُهم} خبره. و: {كالذين} في موضع المفعول الثاني ل نجعل، وهذا على أحد معنيين: إما أن يكون الضمير في {محياهم} يختص بالكفار المجترحين، فتكون الجملة خبراً عن أن حالهم في الزمنين حال سوء. والمعنى الثاني: أن يكون الضمير في {محياهم} يعم الفريقين، والمعنى: أن محيا هؤلاء ومماتهم سواء، وهو كريم، ومحيا الكفار ومماتهم سواء، وهو غير كريم، ويكون اللفظ قد لف هذا المعنى وذهن السامع يفرقه، إذ تقدم أبعاد أن يجعل الله هؤلاء كهؤلاء.
قال مجاهد: المؤمن يموت مؤمناً ويبعث مؤمناً، والكافر يموت كافراً ويبعث كافراً.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: مقتضى هذا الكلام أن لفظ الآية خبر، ويظهر لي أن قوله: {سواء محياهم ومماتهم} داخل في المحسبة المنكرة السيئة، وهذا احتمال، والأول أيضاً جيد.
وقرأ طلحة وعيسى بخلاف عنه: {سواءً} بالنصب، {محياهم ومماتُهم} بالرفع، وهذا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون قوله: {كالذين} في موضع المفعول الثاني ل جعل كما هو في قراءة الرفع، وينصب قوله: {سواءً} على الحال من الضمير في: {نجعلهم}. والوجه الثاني أن يكون قوله: {كالذين} في نية التأخير، ويكون قوله: {سواءً} مفعولاً ثانياً ل جعل، وعلى كلا الوجهين: {محياهم ومماتُهم} مرتفع ب سواء على أنه فاعل. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم والأعمش {سواءً} بالنصب {محياهم ومماتَهم} بالنصب وذلك على الظرف أو على أن يكون {محياهم} بدلاً من الضمير في: {نجعلهم} أي نجعل محياهم ومماتهم سواء، وهذه الآية متناولة بلفظها حال العصاة من حال أهل التقوى، وهي موقف للعارفين فيكون عنده فيه، وروي عن الربيع بن خيثم أنه كان يردها ليلة جمعاء، وكذلك عن الفضيل بن عياض، وكان يقول لنفسه: ليت شعري من أي الفريقين أنت، وقال الثعلبي: كانت هذه الآية تسمى مبكاة العابدين.
قال القاضي أبو محمد: وأما لفظها فيعطي أنه اجتراح الكفر بدليل معادلته بالإيمان، ويحتمل أن تكون المعادلة بن الاجتراح وعمل الصالحات، ويكون الإيمان في الفريقين، ولهذا ما بكى الخائفون رضوان الله عليهم، وإما مفعولاً {حسب} فقولهم {أن نجعلهم} يسد مسد المفعولين. وقوله: {ساء ما يحكمون}، {ما} مصدرية، والتقدير: ساء الحكم حكمهم.

.تفسير الآيات (22- 24):

{وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)}
{وخلق الله السماوات والأرض بالحق} معناه: بأن خلقها حق واجب متأكد في نفسه لما فيه من فيض الخيرات ولتدل عليه ولتكون صنعة حاكمة لصانع وقيل لبعض الحكماء: لم خلق الله السماوات والأرض؟ قال ليظهر جوده. واللام في قوله: {لتجزى} يظهر أن تكون لام كي، فكأن الجزاء من أسباب خلق السماوات، ويحتمل أن تكون لام الصيرورة أي صار الأمر فيها من حيث اهتدى بها قوم وضل عنها آخرون لأن يجازى كل أحد بعلمه وبما اكتسب من خير أو شر.
وقوله تعالى: {أفرأيت} سهل بعض القراء الهمزة وخففها قوم، وكذلك هي في مصحف ابن مسعود مخففة، وفي مصحف أبي بن كعب: {أفرايت} دون همز. وهذه الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم عن المعرضين عن الإيمان، أي لا تعجل بهم ولا تهتم بأمرهم، فليس فيهم حيلة لبشر، لأن الله تعالى أضلهم. وقال ابن جبير: قوله: {إلهه هواه} إشارة إلى الأصنام إذ كانوا يعبدون ما يهوون من الحجارة. وقال قتادة المعنى: لا يهوى شيئاً إلا ركبه، لا يخاف الله، وهذا كما يقال: الهوى إله معبود.
وقرأ الأعرج وابن جبير: {آلهة هواه} على التأنيث في آلهة.
وهذه الآية وإن كانت نزلت في هوى الكفر فهي متناولة جميع هوى النفس الأمارة، قال ابن عباس: ما ذكر الله هوى إلا ذمة. وقال الشعبي: سمي هوى لهويه بصاحبه. وقال النبي عليه السلام: «والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله» وقال سهل التستري: هواك دوؤك، فإن خالفته فدواؤك. وقال سهل: إذا شككت في خير أمرين، فانظر أبعدهما من هواك فأته. ومن حكمة الشعر في هذا قول القائل:
إذا أنت لم تعص الهوى قادك ال ** هوى إلى كل ما فيه عليك مقال

وقوله تعالى: {على علم} قال ابن عباس المعنى: على علم من الله تعالى سابق. وقالت فرقة: أي على علم من هذا الضال بأن الحق هو الذي يترك ويعرض عنه، فتكون الآية على هذا من آيات العناد من نحو قوله: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} [النمل: 14] وعلى كلا التأويلين: ف {على علم}، حال.
وقوله تعالى: {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} استعارت كلها، إذ هو الضال لا ينفعه ما يسمع ولا ما يفهم ولا ما يرى، فكأنه بهذه الأوصاف المذكورة، وهذه الآية لا حجة للجبرية فيها، لأن التكسب فيها منصوص عليه في قوله: {اتخذ} وفي قوله: {على علم} على التأويل الأخير فيه، ولو لم ينص على الاكتساب لكان مراداً في المعنى.
وقرأ أكثر القراء {غِشاوة} بكسر الغين. وقرأ عبد الله بن مسعود: {غَشاوة} بفتح الغين وهي لغة ربيعة، وحكي عن الحسن وعكرمة: {غُشاوة} بضم الغين وهي لغة عكل، وقرأ حمزة والكسائي: {غَشْوة} بفتح الغين وإسكان الشين.
وقرأ الأعمش وابن مصرف بكسر الغين دون ألف.
وقوله: {من بعد الله} فيه حذف مضاف تقديره: من بعد إضلال الله إياه.
وقرأ عاصم وأراه الجحدري: {تذكرون} بتخفيف الذال. وقرأ جمهور الناس: {تذّكرون} على الخطاب أيضاً بتشديد الذال. وقرأ الأعمش: {تتذكرون} بتاءين.
وقوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا} الآية حكاية مقالة بعض قريش، وهذه صنيفة دهرية من كفار العرب. ومعنى قولهم: ما في الوجود إلا هذه الحياة التي نحن فيها وليست ثم آخرة ولا بعث.
واختلف المفسرون في معنى قولهم: {نموت ونحيا} فقالت فرقة المعنى: نحن موتى قبل أن نوجد، ثم نحيا في وقت وجودنا. وقالت فرقة: المعنى: {نموت} حين نحن نطف ودم، ثم {نحيا} بالأرواح فينا، وهذا قول قريب من الأول، ويسقط على القولين ذكر الموت المعروف الذي هو خروج الروح من الجسد، وهو الأهم في الذكر. وقالت فرقة المعنى نحيا ونموت، فوقع في اللفظ تقديم وتأخير. وقالت فرقة: الغرض من اللفظ العبارة عن حال النوع، فكأن النوع بجملته يقول: إنما نحن تموت طائفة وتحيا طائفة دأباً.
وقولهم: {وما يهلكنا إلا الدهر} أي طول الزمان هو الملهك، لأن الآفات تستوي فيه كمالاتها، فنفى الله تعالى علمهم بهذا وأعلم انها ظنون وتخرص تفضي بهم إلى الإشراك بالله تعالى. و{الدهر} والزمان تستعمله الغرب بمعنى واحد. وفي قراءة ابن مسعود: {وما يهلكنا إلا دهر يمر}. وقال مجاهد: {الدهر} هنا الزمان، وروى أبو هريرة عن النبي عليه السلام أنه قال: «كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار»، ويفارق هذا الاستعمال قول النبي عليه السلام: «لا تسبوا الدهر، فإن الله تعالى هو الدهر» وفي حديث آخر: «قال الله تعالى يسب ابن آدم الدهر، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار» ومعنى هذا الحديث: فإن الله تعالى يفعل ما تنسبونه إلى الدهر وتسبونه بسبه. وإذا تأملت مثالات هذا في الكلام ظهرت إن شاء الله تعالى.

.تفسير الآيات (25- 29):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)}
الضمير في: {عليهم} عائد على كفار قريش. والآيات: هي آيات القرآن وحروفه بقرينة قوله: {تتلى} وعابت هذه الآية سوء مقاولتهم، وأنهم جعلوا بدل الحجة التمني المتشطط والطلب لما قد حتم الله أن لا يكون إلا إلى أجل مسمى.
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وابن عامر فيما روى عنه عبد الحميد، وعاصم فيما روى هارون وحسين عن أبي بكر عنه {حجتُهم} بالرفع على اسم {كان} والخبر في {أن}. وقرأ جمهور الناس {حجتَهم} بالنصب على مقدم واسم {كان} في {أن}.
وكان بعض قريش قد قال: أحي لنا قصياً فإنه كان شيخ صدق حتى نسأله، إلى غير ذلك من هذا النحو، فنزلت الآية في ذلك، وقالوا لمحمد عليه السلام: {ائتوا} من حيث المخاطبة له، والمراد هو وإلهه والملك الوسيط الذي ذكر هولهم، فجاء من ذلك جملة قيل لها {ائتوا} و{إن كنتم}.
ثم أمر تعالى نبيه أن يخبرهم بالحال السالفة في علم الله التي لا تبدل، وهي أنه يحيي الخلق ويميتهم بعد ذلك ويحشرهم بعد إماتتهم {إلى يوم القيامة}.
وقوله: {لا ريب فيه} أي في نفسه وذاته. والأكثر الذي لا يعلم هم الكفار والأكثر هنا على بابه.
وقوله تعالى: {ويوم تقوم الساعة} قالت فرقة: العامل في: {يوم} قوله: {يخسر} وجاء قوله: {يومئذ} بدلاً مؤكداً. وقالت فرقة: العامل في: {يوم} فعل يدل عليه الملك، وذلك أن يوم القيامة حال ثالثة ليست بالسماء ولا بالأرض، لأن ذلك يتبدل، فكأنه قال: {ولله ملك السماوات والأرض} والملك يوم القيامة، وينفرد {يخسر} بالعمل في قوله: {يومئذ} و: {المبطلون} الداخلون في الباطل.
وقوله تعالى: {وترى كل أمة جاثية كل أمة} وصف حال القيامة وهولها. والأمة: الجماعة العظيمة من الناس التي قد جمعها معنى أو وصف شامل لها. وقال مجاهد: الأمة: الواحد من الناس، وهذا قلق في اللغة، وإن قيل في إبراهيم عليه السلام أمة، وقالها النبي عليه السلام في قس بن ساعدة فذلك تجوز على جهة التشريف والتشبيه. و: {جاثية} معناه على الركب، قاله مجاهد والضحاك، وهي هيئة المذنب الخائف المعظم، وفي الحديث: «فجثا عمر على ركبتيه». وقال سلمان: في القيامة ساعة قدر عشر سنين يخر الجميع فيها جثاة على الركب.
وقرأ جمهور الناس: {كلُّ أمة} بالرفع على الابتداء. وقرأ يعقوب الحضرمي: {كلَّ أمة تدعى} بالنصب على البدل من كل الأولى، إذ في كل الثانية إيضاح موجب الجثو. وقرأ الأعمش: {وترى كل أمة جاثية تدعى} بإسقاط {كل أمة} الثاني.
واختلف المتأولون في قوله: {إلى كتابها} فقالت فرقة: أراد {إلى كتابها} المنزل عليها فتحاكم إليه هل وافقته أو خالفته.
وقالت فرقة: أراد {إلى كتابها} الذي كتبته الحفظة على كل واحد من الأمة، فباجتماع ذلك قيل له {كتابها}، وهنا محذوف يدل عليه الظاهر تقديره: يقال لهم اليوم تجزون.
وقوله تعالى: {هذا كتابنا} يحتمل أن تكون الإشارة إلى الكتب المنزلة أو إلى اللوح المحفوظ، قال مجاهد ومقاتل: يشهد بما سبق فيه من سعادة أو شقاء، أو تكون الكتب الحفظة وقال ابن قتيبة هي إلى القرآن.
واختلف الناس في قوله تعالى: {نستنسخ} فقالت فرقة معناه: نكتب وحقيقة النسخ وإن كانت أن تنقل خط من أصل ينظر فيه، فإن أعمال العباد هي في هذا التأويل كالأصل، فالمعنى: إنا كنا نقيد كل ما عملتم. قال الحسن: هو كتب الحفظة على بني آدم. وروى ابن عباس وغيره حديثاً أن الله تعالى يأمر بعرض أعمال العباد كل يوم خميس فينقل من الصحف التي رفع الحفظة كل ما هو معد أن يكون عليه ثواب أوعقاب ويلغى الباقي. قالت هذه الفرقة: فهذا هو النسخ من أصل. وقال ابن عباس أيضاً: معنى الآية أن الله تعالى يجعل الحفظة تنسخ من اللوح المحفوظ كل ما يفعل العباد ثم يمسكونه عندهم، فتأتي أفعال العباد علىنحو ذلك فتقيد أيضاً، فذلك هو الاستنساخ.. وكان ابن عباس يقول: ألستم عرباً؟ وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل.